عذاب القبر ونعيمه
فأما عذاب القبر فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين قال الله تعالي { ولو ترى إذ الظالمين في غمرات الموت والملائكه باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون علي الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون } وقال في فرعون { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعه ادخلوا آل فرعون أشد العذاب } وفي صحيح مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال تعوذوا من عذاب القبر
وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالي { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكه الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بجنه التى كنتم توعدون }0
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال في المؤمن اذا اجاب الملكين في قبره ينادى مناد من السماء ان صدق عبدي فافرشوه من الجنه والبسوه من الجنه وافتحوا له بابا الي الجنه قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له قبره مد بصره
رواه احمد وابو داود في حديث طويل
وقد ضل قوم من اها الزيغ انكروا عذاب القبر ونعيمه زاعمين ان ذلك غير ممكن لمخالفتها لواقع قالوا فانه لوكشف عن الميت في قبره لوجد كما كان عليه والقبر لمتغير بسعه ولا ضيق
وهذا الزعم باطل بالشرع والحس والعقل
ـ الشرع
فقد سبقت النصوص الداله علي ثبوت عذاب القبر ونعيمه وفي صحيح البخارى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج النبي صلي الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينه فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما وذكر الحديث وفيه { أت احدهما كان لايستتر من البول وأن الآخر كان يمشي بالنميمه }0
ـ الحس
فإن النائم يري في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه أو أنه كان في مكان ضيق موحش يتالم منخ وربما يسقط احيانا مما راى ومه ذلك فهو على فراشه في حجرته علي ماهو عليه والنوم اخو الموت ولهذا اسماه الله تعالي وفاه قال الله تعالي { الله يتوفي الانفس خين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الاخري الي اجل مسمي }0
ـ اما العقل
فإن النائم في منامه يري الرؤيا الحق المطابقه للواقع وربما راي النبي صلي الله عليه وسلم علي صفته ومن رآه علي صفته فقد راى حقا ومع ذلك فالنائم في حجرته علي فراشه بعيدا عما راى فإذا كان هذا ممكنا في احوال الدنيا افلا يكون ممكنا في احوال الآخره؟
الإيمان بالقدر خيره وشره
هو الاعتقاد الجازم بأن الله خالق كل شئ وربه مليكه وأنه تعالي قدر المقادير خيرها وشرها حلوها ومرها
وهو الذي خلق الضلاله والهدايه والشقاوه والسعاده وأن الاجال والارزاق بيده سبحانه وتعالي
والقدر بفتح الدال تقدير الله تعالي للكائنات حسب ماسبق بع عمله واقتضته حكمته
والايمان بالقدر يتضمن اربع امور
الاول : الا يمان بان الله تعالي عالم كل شئ جمله وتفصيلا ازلا وابدا وسواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله او بأفعال عباده
الثانى : الايمان بان الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ وفي هذين الامرين يقول الله تعالي { ألم تعلم ان الله يعلم مافي السموات والارض إن ذلك في كتاب إن ذلك علي الله يسير} 0
الثالث : الإيمان بأن جميع الكائناتلاتكون الإبمشيئه الله تعالي سواء كانت مما يتعلق بفعله ام مما يتعلق بفعل المخلوقين قال تعالي { ربك يخلق مايشاء }0وقال تعالي { ولوشاء الله لسلطهم عليهم فلقاتاوكم}0
الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقه لله تعالي بذواتها وصفاتها وحركاتها قال تعالي { الله خالق كل شء وهو علي كل شء وكيل } وقال خلق كل شئ فقدؤه تقديرا } وقال عن نبيه ابراهيم أنه قال لقومه {والله خلقكم وما تعملون}0
والإيمان بالقدر علي ما وصفنا لايناقس ان يكون للعبد مشيئه في افعاله الاختياريه وقدره عليها لأن الشرع والواقع دالان علي اثبات ذلك له
أما الشرع: فقد قال الله تعالي في المشيئه { فمن شاء اتخذ الي ربه مابا } وقال { فاتوا حرثكم انى شئتم }وقال في القدرة { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وقال لايكلف الله نفسا الا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت}0
وأما الواقع : فإن كل انسان يعلم أن له مشيئه وقدره بهما يفغل وبهما يترك ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي وما يقع بغير ارادته كالإرتعاش لكن مشيئه العبد وقدرته واقعتان بمشيئه الله تعالي وقدرته وقال تعالي { لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين } ولأن الكون كله ملك لله تعالي فلا يكون في ملكه شئ بدونه علمه ومشيئتهوالايمان بالقدر علي ماوصفنا لايمنح العبد حجه علي ترك الواجبات او فعل من المعاصي وعلي هذا فاحتجاجه باطل من وجوه
الأول : قوله تعالي { سيقول الذين اشركوا لوشاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وإن انتم إلا تخرصون } ولو كان لهم حجه بالقدر ما اذقهم الله بأسه
الثانى : قوله تعالي { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجه بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } ولو كان القدرة حجه للمخالفين لم تنف بإرسال الرسل لانه المخالفه بعد ارسالهم واقعه بقدره الله تعالي