أبو ذَرٍّ الغِفَارِيّ
هو الصحابي الجليل أبو ذرٍّ جندب بن جنادة بن سفيان الغفاري الحجازي،
من قبيلة بني غفار التي قال فيها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ : "غفار غفرَ اللهُ لها"
وأمه هي رملة بنت الرفيقة.
أسلم أبو ذر بعد أربعةٍ كان خامسَهم، وكان من كبار الصحابة،
ويُضرَب به المَثَل في الصدق،
حتى قال فيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ : "ما أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ ولا أَظَلَّتِ رَجُلاً أصدقَ لهْجَةً مِن أبِي ذَرٍّ".ويقول أبو ذر نفسه: ما زال بيَ الأمرُ بالمعروف والنهْيُ عن المنكر حتى ما ترك ليَ الحقُّ صديقًا.
وكان أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ قوَّالاً بالحق جاهرًا بالصدق،
زاهدًا مُتقلِّلا ًمن الدنيا، وكان
مذهبه أنه يَحْرُمُ على الإنسان ادِّخارُ ما زاد على حاجته.
وكان كلما عرضوا عليه الدنيا أباها،
وقال: لا حاجة لي في دُنياكم. وهو أوَّلُ مَن حيَّا رسول الله بتحية الإسلام، ويقول: لقد صليت بابن أخي قبل أن ألقَى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاث سنين.
فقيل له: لمَن؟ قال: لله.
قيل: فأين تَتوجَّه ؟ قال: أتوجَّهُ حيث يُوجِّهُني الله.
وحينما كتب الله له نعمة السبْق إلى الإسلام قدِم إلى رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في أول الإسلام
فقال: يا رسول الله، مَنِ اتَّبعك على هذا الدين؟ قال: حُرٌّ وعبْدٌ. وأقام أبو ذر في مكة ثلاثين يومًا ثم أسلم.ولمَّا أعلن إسلامه أقسم ألا يرجع إلى بلده حتى يُعلن إسلامه بين المشركين في مكة،
فذهب إلى جوار الكعبة وجعل يُنادي بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله،
فأقبل عليه المشركون يضربونه حتى صُرع مرات.
ولمَّا أمره الرسول بالعودة إلى قومه قال له: هل أنت مُبلغ عنِّي قومك عسى الله أن ينفعهم بك بأجرك فيهم،
ولمَّا هاجر النبي إلى المدينة هاجر أبو ذرٍّ إليها،
وصحب رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حتى لحِق النبيُّ بربه.
وقد روى أبو ذرٍّ عن رسول الله مائتينِ وواحدًا وثمانين حديثًا.
وقد روى عنه عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن غنم، وزيد بن وهب، والمعرور بن سويد، والأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، ويزيد بن شريك التميمي وخلْقٌ سواهم.
ومن كلام أبي ذرٍّ: "أوصاني خليلي بسبع: أمرني بحُبِّ المساكين والدُّنُوِّ منهم، وأمرني أن أنظر إلى مَن هو فوقي، وأمرني ألاَّ أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أصل الرحمن وإن أدبرتُ، وأمرني أن أقول الحقَّ وإنْ كان مُرًّا، وأمرني ألا أخاف في الله لومةَ لائمٍ، وأمرني أن أُكْثِرَ من قوْل لا حولَ ولا قوة إلا بالله فإنهنَّ مِن كَنْزٍ تحتَ العَرْشِ".ولقد هاجر أبو ذر بعد وفاة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى بادية الشام،
فأقام فيها إلى أن تُوفي أبو بكر وعمر، وتَولَّى عثمان
، فسكن أبو ذرٍّ دمشق، وأخذ يُبشر بدعوته التي ينتصر فيها للفقراء،
ويُقاوم فيها الكانزين،
ويتمثل بقول الله ـ تعالى ـ : (والذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فبَشِّرْهُمْ بعذابٍ أَلِيمٍ . يومَ يُحْمَى علَيْهَا في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكَوَى بهَا جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ هذَا ما كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فُذُوقُوا مَا كَنَزْتُمْ تَكْنِزُونَ)0 (التوبة: 34 ـ 35)0
وكان معاوية بن أبي سفيان وَاليًا للشام حينئذ، فشكى أبا ذر إلى الخليفة عثمان،
فاستقدمه إلى المدينة، ولكن أبا ذرٍّ استأنف نشر دعوته لحمْل الأغنياء على دفع أموالهم الزائدة إلى الفقراء،
فأمره عثمان بالخروج إلى الرَّبذة وهي قرية قُرْبَ المدينة المنورة.
وخرج الإمام عليٌّ لوداعه ـ وهو خارج ـ
وقال له: "يا أبا ذرٍّ، إنك غضبتَ لله فارجُ مَن غضبتَ له، إن القوم خافوك على دُنياهم، وخفتهم على دينك، فاتركْ في أيديهم ما خافوك عليه، واهربْ بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عمَّا مَنعوك، وستعلم من الرابح غدًا والأكثر حسدًا. ولو أن السمواتِ والأرضَ كانتَا على عبدٍ رتقًا ثم اتَّقَى اللهَ لجعلَ الله له منهما مخرجًا، لا يُؤنسنَّك إلا الحق، ولا يُوحشنَّك إلا الباطل، فلو قبِلتَ دُنياهم لأحبوك، ولو قرضتَ منها لأمنوك ".
وكان أبو ذر لا يَخزن من المال قليلاً ولا كثيرًا،
ولما مات لم يكن يَملك ما يُكفَّنُ به
. وتُوفي أبو ذر في الربذة سنة ثنتين وثلاثين للهجرة، وصلى عليه ابن مسعود، وعقب الصلاة بكى وقال كأنه يُ".
خاطب أبا ذر: "صدقَ رسول الله تمشِي وحْدَكَ، وتموتُ وحدك، وتُبْعَثُ وحدكَرضوان الله تبارك وتعالى على الجميع.