الخَضِرُ صاحب موسى
الخضر هو الذي يُضرب به المثل في العلم الواسع، والحكمة العميقة، والصبر الجميل، وكلمة "الخضر" (قال اللغويون هي: الخِضْرُ ـ بكسر فسكون ـ أو بفتح فسكون، أو بفتح فكسر) لَقَبٌ له، واسمه بليا بن ملكان بن فالغ وقد ضبط العلماء اسمه كما سبق، ولكن "الموسوعة العربية الميسرة " تقول إن اسمه هو "إيليا بن إلياس"، وهو من سلالة نوح عليه السلام كما جاء في سلسلة نسبه، وكنيته أبو العباس.
وقيل في سبب تلقيبه بالخضر: إنه جلس على فروة بيضاء ـ والمراد بالفروة هنا وجه الأرض، أو الهشيم من النبات اليابس، أو الأرض اليابسة ـ فصارت خضراء؛ ورجَّح النووي هذا في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات"؛ لأنه مَرْوِيٌّ في صحيح البخاري، حيث جاء فيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هي تهتز من خلفه خضراء؛ قال النووي: فهذا نصٌّ صحيح صريح.
والخضر هو صاحب موسى الرسول كليم الله عليه السلام، وهو المذكور في سورة الكهف في قوله تعالى: (قال ذلك ما كُنَّا نبْغِ فارْتَدَّا على آثارِهِمَا قَصَصًا . فوجدَا عبْدًا مِن عبادنا آتيناهُ رحْمةً مِنْ عِنْدِنَا وعلَّمْنَاهُ مْنْ لَدُنَّا علْمًا . قال له موسى هل أَتَّبِعُكَ على أنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قال إنك لن تستطيع مَعِيَ صبْرًا . وكيف تصبر على ما لم تُحِطْ به خُبْرًا . قال ستَجِدُنِي إنْ شاءَ اللهُ صابرًا ولا أعْصِى لكَ أمرًا . قال فإنِ اتَّبَعْتَنِي فلا تسألْنِي عن شيءٍ حتَّى أُحْدِثَ لك منه ذِكْرًا)0(الآيات 64 ـ 70)، ثم قَصَّ القرآن بعد ذلك ما أجراه الله تعالى على يديه من أعاجيب.
والعلماء متفقون على أن الخضر عبدٌ صالح من عباد الله تعالى الذين أكرمهم بفُيُوضٍ من رحمته وعِلْمه، وذلك بشهادة القرآن السابقة، والجميع متفقون على أنه لم يكن رسولاً مبعوثًا إلى أمة معينة، ثم اختلفوا فيما وراء ذلك.
هناك من العلماء والصوفية من يقول إن الخضر نبيٌّ، وإن كان غير مرسل، وإنه ما زال حيًّا حتى الآن، وتوسعوا في ذلك توسُّعًا لا تطمئن النفس إليه، ويقول النووي عن الصوفية وقولهم في الخضر: "وحكاياتهم في رؤيته، والاجتماع به، والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير، أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر"، ويعبر الصوفية عن الخضر بأنه "نقيب الأولياء" وأنه هادي السفن في أعالي البحار، وأنه قادر على التشكل بأشكال مُختلفة وإن كان بشرًا، وأنه خالدٌ مُعَمِّرٌ، سيموت في آخر الزمان عند رفع القرآن إلى آخر ما قالوه وتوسعوا فيه.
ويقول الإمام القشيري في رسالته المشهورة: "لم يكن الخضر نبيًّا، وإنما كان وليًّا".
والذي يترجَّح لدى النظر أنه كان عبدًا صالحًا، ووليًّا تقيًّا، وأما كونه نبًّا أو رسولاً، أو باقيًا دون موت حتى آخر الزمان، أو قادرًا على التشكل بالأشكال المختلفة، فليس هناك نصٌّ متواتر يقطع بذلك أو يؤكده، والله جل جلاله هو العليم بحقائق الأمور.