عبد الله بن عُمر بن الخطاب
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب القريشي العدَوي المدنى العابد الزاهد، أمه زينب بنت مَظعون. أسلم قبل بلوغه وإسلام أبيه وهاجر قبل أبيه. وعرض على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة أُحد وكان عمره أربع عشرة سنة فاستصغره النبي وردَّه، وشهد غزوة الخندق وما بعدها مع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وشهد غزوة مُؤتة ومعركة اليرموك وفتح مصر وفتح أفريقية. وقد قال الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في ابن عمر: "نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"0 فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وكان ابن عمر شديد الاقتداء بالسُّنَّة والاتِّباع لآثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى إنه ينزل كل منزل نزله الرسول، ويُصلي في كل مكان صلى فيه، ويُبرك ناقته في مَبرك ناقته، ورَووا أن النبي نزل تحت شجرةٍ لِيستظل بها فكان ابن عمر يَتعاهدها بالماء حتى لا تَيبس.
وقد رَوى عن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ألفًا وستمائة وثلاثين حديثًا، وقد روى عنه أولاده الأربعة سالم وحمزة وعبد الله وبلال، وخلائقُ لا يُحصون من التابعين وغيرهم.
وقد قلَّ نظير ابن عمر في المتابعة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شيء من الأفعال والأقوال، وفي الزهادة للدنيا ومقاصدها، والزهادة في التطلُّع إلى الرياسة وغيرها. وقد قال الصحابي جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ لم يكن أحدٌ من الصحابة ألزم لطريق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أتبع من ابن عمر.
وقد قال الزهري: لا يعدل برأي ابن عمر؛ فإنه أقام بعد رسول الله ستين سنة، فلم يَخْفَ عليه شيء من أمره، ولا من أمر الصحابة. وقد أكَّد مالك هذا بقوله: أقام ابن عمر ستين سنة تَقْدُمُ عليه وفود الناس.
ومناقب عبد الله بن عمر كثيرة مشهورة، وحَسْبُنا أن نسمع إمام الأنبياء وهو الصادق المصدوق يقول عن ابن عمر: إن عبد الله رجل صالح، وكان ابن عمر رجلاً كريمًا سخيًّا كثير الصدَقة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألف، وكان إذا اشتدَّ إعجابه بشيء من ماله تقرَّب إلى الله ـ تعالى ـ به، وكان ابن عمر ـ كذلك ـ كثير الحجِّ إلى بيت الله الحرام تقرُّبًا من ربه ـ تبارك وتعالى ـ وكان أيضًا يُكثر الصوم، حتى إنه يصوم يومًا ويُفطر يومًا، وكان من عادته إذا قرأ قول الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة الحديد: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهُمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)0 (الآية: 16)0 يبكي حتى يَغلبه البكاء خوْفًا وخشية، وتأثُّرًا بكلام الله العلي القدير.
وكان ابن عمر حَسَنَ التوجيه إلى حُسن الفِعال وفضائل الخصال من أقرب الطرق وأيسر السُّبل، ولذلك كان يقول للناس: "البرُّ شيءٌ هيِّنُ : وجهٌ طلقٌ، وكلامٌ لَيِّنُ".
وقد تُوفي ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ بمكة سنة ثلاث وسبعين، ودُفن بالمحصّب.