قَذْفُ المُحْصَنَاتِ
مَنْ هنَّ النساء اللائي بَرَّأَهُنَّ الله ـ تعالى ـ في قوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ..) إلى آخر الآية
( النور:4).
الجواب:
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في الآية الرابعة من سورة
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلُدُوهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُم شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُم الفَاسِقُونَ ) (النور:4).
ويقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبريّ: "يقول ـ تعالى ذِكْره ـ: والذين يَشتُمُون العفائفَ مِن حرائرِ المسلمين، فيرمونهنَّ بالزِّنَى، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عُدُول، يشهدون عليهن أنهن رَأَوْهُنَّ يَفْعَلْنَ، فاجلدوا الذِينَ رَمَوْهُنَّ بذلك ثمانين جلدة، ولا تَقْبَلُوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله، وخرجوا عن طاعته، ففسقوا عنها ".
وذكر أن هذه الآية إنما نَزَلَتْ في الذين رَمَوْا عائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما رموها به مِن الإِفْكِ.
وفي السورة نفسها يقول الله جل جلاله:
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ لُعِنًوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ) ( الآية:23).
ويذكر الطبري أن أهل التفسير اختلفوا في المراد هنا بالمحصنات العفيفات الغافلات عن الفواحش المؤمنات بالله ورسوله، فقال بعضهم: إنما ذلك لعائشة خاصة، وحُكْمٌ مِن الله فيها وفيمن رماها، دون سائر نساء أُمَّة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وقال آخرون: بل ذلك لأزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة، دون سائر النساء غيرهن.
وقال آخرون: نَزَلتْ هذه الآية في شأن عائشة، عَنَى بها كل مَنْ كان بالصفة التي وَصَفَ الله هذه الآية قالوا: فذلك حُكْمُ كل مَنْ رَمَى مُحْصَنَةً لم تُقَارِفْ سوءًا.
ثم يقول الطبري: " وأَوْلَى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول مَنْ قال: نزلت هذه الآية في شأن عائشة والحُكْم بها عام في كل مَنْ كان بالصفة التي وصفه الله بها فيها.
وإنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب؛ لأن الله عَمَّ بقوله كل مُحصنة غافلة مؤمنة، رماها رامٍ بالفاحشة، مِن غير أن يَخُصَّ بذلك بعضًا دون بعض، فكل رامٍ محصَنةً بالصفة التي ذَكَرَ الله ـ جل ثناؤه ـ في هذه الآية؛ فمَلْعُونٌ في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم، إلا أن يتوب من ذَنْبه ذلك قبل وَفَاته،
فإن الله دل باستثنائه بقوله:
(إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) (آل عمران:89)،
على ذلك أن حُكْم رامِي كل محصنة بأي صفة كانت المحصنة المؤمنة المَرْمِيَّة، وعلى أن قوله:
(لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)
معناه: لهم ذلك إِنْ هَلَكُوا ولم يتوبُوا.