نقل الدم وحرمة الرضاع

نقل الدم وحُرْمَة الرَّضَاع

السؤال: هل يترتب على نقل الدم من المرأة إلى الرجل ـ أو العكس ـ ما يترتب على الرضاع من الحُرْمَة الشرعية ؟.
الجواب:
يحْسُن بِنَا قبل التعرُّف إلى وجه الحُكم في هذا السؤال، أن تعرف أولًا إلى حُكْم الرضاع في الإسلام، فالله ـ تبارك وتعالى ـ يقول في آية المُحَرَّمات من سورة النساء: ( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ) ( الآية: 23 ). وجاء في الحديث الصحيح قول الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ".
فإذا اشترك ذَكَرٌ وأنثى في رضاع ثدي من امرأة، وكلٌّ منهما قد رضع من هذا الثدي في وقت الرضاع، وقدره على المعتمد سنتان، لقول الله ـ جَلَّ جلاله ـ: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) ( البقرة: 233 )، فإن هذين الرَّاضِعَيْنِ يُصبحان أخوين من الرضاع، ويَحرم بينهما ما يحرم بين الأخ وأخته من النَّسب.
واختلفوا في عدد الرضعات المُحَرَّمة، مِن رَضْعة إلى عشر رضعات، والمُفْتى به الآن هو خمس رضعات مُشْبَعَات مُتفَرِّقات متيقنات في زمن الرضاع. وقد علَّل العلماء حُْرمة الرضاع بأن الرضاع المتكرر في زمن الرضاع يُوجد عَلاقة كعلاقة النسب والقرابة؛ لأنه ينبت العظم واللحم. وقال المفسرون إذا أرضعت المرأة طفلًا حُرِّمَت عليه؛ لأنها أمه، وبنتها لأنها أخته، وأختها لأنها خالته، وأمها لأنها جدته، وهكذا ...
ومن هذا نرى أنه لا بد من أن يكون الرضاع في وقت الطفولة الذي يؤثر في إنبات اللحم والعظم، ولذلك يقول الحديث الشريف: " لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام ". وقوله: " في الثدي " أي في زمن الرضاع من الثدي، أي في سِن الرضاعة. وجاء في حديث آخر: " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم، أي مد العظام وبسطها "، أي جعلها تنمو.
ولا بد أن يكون الرضاع مُتكررًا عند جمهور الفقهاء، بحيث يُوجِد تَكْرَارُهُ عَلَاقَةً بين المُرْضعَة وَمَنْ رَضَعَ مِنْ ثديها؛ ومن رضع من امرأة ـ كما يعبِّر بعض المفسرين ـ " كان بعض بدنه جُزءًا منها؛ لأنه تكَوَّنَ من لَبَنِهَا، فصارت في هذا كأمِّه التي ولدته، وصار أولادها إخوة له؛ لأن لتكوين أبدانهم أصلًا وَاحِدًا هو ذلك اللبن ".
وكأن الإسلام أراد التكريم لحالة الإرضاع المُتكررة، فحَاطَهَا بهذه الحُرْمَة، تقديرًا لشعور المرأة التي أرضعت الطفل، وحملته على صدرها، وأعطته بعض جسمها، وتوقيرًا من الطفل - إذا كبر ـ لمقام من أرضعته وبذلت له من ذات حِسِّها وجسمها.
وفي حالة نقل الدم المسئول عنها هنا لا يُوجَد كل هذه الاعتبارات، فكلٌّ من الرجل والمرأة. في السؤال كبيران، ونقل الدم لا يُنبت عظمًا ولا لحمًا، والعادة أن هذا النقل لا يتكرر، وأنه يحدث في حالة الإسعاف عند الإصابة، وقد يكون بين المنقول إليه الدم والمنقول منه الدم بعد مكاني واسع، ولذلك لا يجد الناظر في رُوح الدِّين نصًّا يُوجب التحريم في حالة نقل الدم المسئول عنها هنا، والله ـ جل جلاله ـ هو القائل: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة: 185).
والله ـ تبارك وتعالى ـ أعلم.

جزاكى الله خيرا على التوضيح

بارك الله فيكى اختى
رجاء من مشرف هذا القسم نقل هذا الموضوع الى قسم الفقة