جامع القرويّين
سمِّي هذا الجامع باسم "جامع القرويين"، مع أنه موجود في الجهة الغربيّة من مدينة فاس ببلاد المغرب، وذلك لأن المنطقة التي أنشئ فيها سنة (245هـ = 859 م ) يسكنها المهاجرون من مدينة "القيروان"، وقد خفف الناس التسمية الأصليّة وهي "القيروانيّون" إلى "القرويين".
"والقيراون" مدينة مشهورة، كانت دار ملك المسلمين في أول فتح المغرب الإسلامي، ثم خربت، فانتقل أكثر علمائها وفقهائها إلى مدينة " فاس " التي تعد من أعظم مدن المغرب، وفي العهود الماضية كان يجتمع فيها علم مدينة " القيروان " وعلم مدينة " قرطبة " حيث رحل العلماء من هاتين المدينتين، بعد اضطراب أمرهما إلى مدينة " فاس "، فعمَّروا جامع القرويين
بالعلم والأدب.
وجامع القرويين يعد أقدم جامعة إسلامية من ناحية اتساع الدراسة الدينية والعربية، حيث ظل أحد عشر قرنًا وهو موطن لتعليم العلوم الإسلامية واللغوية.
ويرجع الفضل - بعد فضل الله الأول - في إنشاء هذا المسجد إلى السيدة الفاضلة الصالحة الخيرة: أم البنين فاطمة القيروانية بنت محمد بن عبد الله القيرواني، حيث تبرّعت بنفقات إنشاء هذا الجامع، وحينما ازدحمت مدينة فاس بعد ذلك بجموع السكان في عهد المرابطين، ضاق جامع القرويين بالمصلِّين، فكانوا يصلُّون في الأماكن المحيطة به من أسواق وشوارع، فاجتمع الفقهاء والشيوخ، وقرّروا توسيع المسجد، فزادَ عدد المترددين عليه والمنتفعين بالعبادة والعلم فيه.
وكانت تدرس فيه بجوار العلوم الإسلاميّة والعربية العامة، علوم التصوف والأدب والأصول وغيرها، وممن قام بالتدريس فيه المؤرخ المشهور " المقري " صاحب كتاب " نفح الطيب " حتى تولى الإمامة والخطابة – إلى جوار الفتوى - في هذا الجامع خمس سنوات، وكذلك قام بالتدريس فيه الإمام الفقيه الخطيب إبراهيم بن أبي بكر بن عباد الذي ترجم له المقري في كتابه المذكور ترجمة واسعة . وكذلك قام بالتدريس فيه أيضًا الإمام العالم عبد الله بن رشيد وقد تحدث عنه المقرِّي أيضًا في " نفح الطيب ". وكان بعض العلماء يحاضر في جامع القرويين أو يخطب، فيتعرض لموضوعات اجتماعية وسياسية، كأن ينتقد الدولة أو الحاكم في بعض الأمور، كما فعل مثلاً الشيخ الصالح الورع عبد الرحمن الزرهوني. ومن الذين تعلموا في جامع القرويين، ثم تألق نجمهم وسطعوا بشخصياتهم العلمية في مجتمعهم : المؤرخ الكبير عبد الواحد المراكشي صاحب كتاب " المعجب في أخبار المغرب "، وهو من رجال القرن السابع الهجري، وقد توفِّي سنة 647 هـ، فقد رحل المراكشي إلى فاس ودخل جامع القرويين، وتعلم منه الكثير، وهو يذكر بالخير أساتذته العلماء الذين تلقى عنهم، ويقول إنهم كانوا مبرزين في العلوم التي يدرسونها.
ولقد كانت هناك علوم كثيرة تدرس في جامع القرويين، فوق علوم الدين واللغة، كعلوم الطبيعة والفلك والفلسفة والطب والهندسة وغيرها. وكان التعليم يسير في هذا الجامع على الطريقة التي عرفناها في الدراسة بالأزهر، فالدراسة حرّة اختياريّة، يدرس الأساتذة ما يختارون من علوم أو كتب، ويختار الطلاب من يريدون من الأساتذة ليجلسوا إليهم ويسمعوا منهم ويتلقوا عنهم.
وفي عهد السلطان محمد الثالث، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، صدر قانون بتحديد مواد الدراسة في جامعة القرويين، وفي سنة 1931م صدر قانون جعل التعليم في هذا الجامع على ثلاث مراحل : المرحلة الابتدائية، ثم المرحلة الثانوية، ثم المرحلة العالية، وجعلت هناك دراسات متخصصة في الدين والأدب، وأنشئ معهد للفتيات تابع لجامع القرويين.
وبعد استقلال تونس تحول جامع القرويين إلى جامعة تضم طائفة من الكليّات: كلية الشريعة، وكلية الآداب، وكلية العلوم.