جامع الزيتونة
بُني جامع الزيتونة في تونس سنة أربع عشرة ومائة للهجرة ( 732 م )، بناه الوالي عبد الله بن الحبحاب، ثم أعاد بناءه محمد بن الأغلب حوالي سنة 840. ويعد جامع الزيتونة أهم الجوامع الإسلامية العلميّة في بلاد المغرب، وقد ظل أجيالاً بعد أجيال تدرس فيه العلوم الإسلامية والعربية، ويمتاز هذا الجامع من الناحية المعمارية الأثرية بأنه يوجد فيه منبر يعود تاريخه إلى سنة خمسين ومائتين للهجرة.
ومن خواص جامع الزيتونة أنه كان لا يسمح لغير المسلمين بدخوله، ولعل هذا كان سببًا من الأسباب التي دعت إلى عدم العناية بالدراسات الأثرية لهذا الجامع، باعتبار أن المستشرقين هم الذين كانوا يهتمون أكثر من غيرهم بأمثال هذه الدراسات.
ولقد قام بالتدريس في جامع الزيتونة كثير من العلماء الأجلاء والفقهاء الأماثل، نذكر منهم قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن محمد بن حسن بن الغماز الخزرجي الأنصاري، المتوفى في تونس سنة 693 هـ، وهو العالم الشاعر الأديب الفقيه.
وفي القرن الثالث عشر الميلادي ازدهر شأن جامع الزيتونة ازدهارًا أعطاه صفة الجامعة العلمية، حيث استقدم إليه " أبو زكريا الأول " أساتذة كبار من صقلية والأندلس، ليقوموا بتدريس علوم اللغة والفقه والأدب، والتاريخ والفلسفة والرياضة والطب.
وظل الجامع كذلك إلى القرن الثامن عشر الميلادي - كما تذكر الموسوعة العربيّة – ثُمَّ حُذفت من علومه طائفة، وأصبح الجامع يُوجِّه أكبر عنايتِه إلى العلوم الدينية واللغوية والأدبية.
ومضت السنون والأعوام وجامع الزيتونة يتخرَّج فيه الكثير من العلماء والأئمة والوعّاظ والمدرسين والقضاة والكتاب.
وفي وسط القرن التاسع عشر الميلادي أصدر حاكم تونس: (الباي أحمد ) قانونًا منظمًا لشؤون جامع الزيتونة، وهذا القانون ينص على اختيار ثلاثين عالمًا ليكونوا كهيئة تدريس في جامع الزيتونة، على أن يشرف عليهم شيخ الإسلام ومعه القاضيان.
وكان من وراء ذلك أن وضعت خطة للمناهج الدراسية في الجامع، وكان وضعها عن طريق لجنة من العلماء.
ومن حِمى جامع الزيتونة انبثقت مدرسة ثانوية سميت باسم " المدرسة الخلدونية "، وألحقت بجامع، فكانت كفرع تابع له، يعد الطلاب الذين يريدون الدخول فيه لطلب العلم، وأُضيفت إلى مناهج هؤلاء الطلاب الدينية والعربية طائفة من العلوم العصرية.
وفي سنة 1933 م أصدرت تونس قانونًا ينص على أن جامع الزيتونة قد صار جامعة حديثة، وأن شيخَه سيلقب بلقب "مدير جامعة الزيتونة "، وبمقتضى هذا القانون صارت الدراسة في هذه الجامعة ثلاث مراحل: المرحلة الإعدادية، والمرحلة المتوسطة، والمرحلة العالية.
ولكن شأن هذا المعهد قد تغير أخيرًا، حيث أثر فيه انتشار المدارس والمعاهد الحديثة، فصار جامع الزيتونة أشبه بمعهد ثانوي تابع لمصلحة التعليم الثانوي في الجمهورية العربية التونسية، حيث مزجت في مواد الدراسة به بين علوم الدين، وعلوم العصر الحديث، واللغات الأجنبية.
ولذلك لم تعد لجامع الزيتونة تلك الشهرة العلمية القديمة الواسعة، التي كانت تحاول اللحاق بسمعة جامع القرويين في المغرب، أو الجامع الأزهر في مصر.
والله تبارك وتعالى أع