مسجد الرسول بالمدينة
مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هو المسجد الموجود في المدينة المنورة، وهو الذي أسسه النبي أولا عقب الهجرة، مع طلائِع المسلمين من المهاجرين والأنصار، وجعله مربعًا، وكان يتجه فيه أولاً إلى بيت المقدس (المسجد الأقصى) في فلسطين - ردَّها الله على العرب والمسلمين ـ وقد اشترك النبي عليه الصلاة والسلام في البناء بنفسه، وكان ينقل الحجارة بيديه ويقول:" اللهم لا عيشَ إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصارِ والمهاجرة ".
ومسجد الرسول هو أحد المساجد التي شرع الله تبارك وتعالى شدّ الرّحال إليها للعبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فقال صلوات الله وسلامه عليه: "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي بالمدينة، والمسجد الأقصى".
وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بمكانة مسجده هذا، فقال: "من دخل مسجدي هذا يتعلم خيرًا أو يعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله ". كما نوه النبي بمكانة الصلاة في هذا المسجد، فقال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". وقال أيضًا: "أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياءِ، وأحقُّ المساجد أن يزار وتركب إليه الرواحل، وصلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من الصلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ".
ولعل السبب في ذلك هو أن هذا المسجد كان مركز القيادة الإسلامية على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أول مسجد أقامه النبي والمسلمون، وقد روى أنه المسجد المقصود بقول الله سبحانه
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا واللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ) [ التوبة 108 ].
وكذلك كان هذا المسجد هو المكان الذي يتلقى فيه الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ دروس الدين وتعاليم الإسلام، وفيه كان يتعبدون ويعتكفون ويذكرون مع الله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وفيه ارتفع صوت الرسول متحدثًا ومعلمًا وخطيبًا ومبلغًا القرآن وأحكام الشريعة.
وفي هذا المسجد الشريف أيضًا توجد الروضة المطهرة التي يشير إليها قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". ومعنى ذلك أن من لزم طاعة الله تبارك وتعالى في هذه البقعة آلت به الطاعة إلى روضة من رياض الجنة. أو إن الصحابة كانت تقتبس العلم في هذا الموضع من رسول الله، فهداهم الله بذلك إلى سواء السبيل، ومتعهم بالثواب الجزيل، فالمكان إذن كالروضة، ويؤيد ذلك قول النبي: "إذا مررتم برياض
الجنة فارتعوا". قالوا : يا رسول الله، وما رياض الجنة ؟. قال " حلق الذكر " وهي في العادة تعقد في المسجد.
وكذلك يضاف إلى شَرف مسجد الرسول بالمدينة أن حجرات زوجاته أمهات المؤمنين كانت تحيط بالمسجد وتنفتح أبوابها على المسجد، وقد ضموا مكان هذه الحجرات بعد ذلك إلى ساحة المسجد، فأصبحت جزءًا منها. وبعد أن لحق الرسول بالرفيق الأعلى كان من شرف هذا المسجد أن يدفن فيه الرسول، وأن يدفن إلى جواره أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنهـ ، ثم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، وأصبح من سُنَن الإسلام، زيارة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو الذي يقول: "مَن زارني مَيِّتًا فكأنَّما زارني حيًا".
ويقول أيضًا: "مَن جاءَني زائرًا، لم يرُم حاجة إلا زيارتي كان حَقًّا على أن أكون شفيعًا له يوم القيامة".
ولقد هدانا أدب الإسلام إلى أن زائر المدينة المنورة يقول عند دخولها: اللهم هذا حَرَم نبيِّك ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاجعل دخولي فيه وقاية لي من النار، وأمانًا من العذاب وسوء الحساب. ثم إذا وقف داخل المسجد النبوي أمام قبر الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول في أدب وتوقير: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الرّحمة وهاديَ الأمة، السلام عليك يا خاتم رسل الله. ثم يتأخر عن يمينه خطوة ويقول: السلام عليك يا أبا بكر ورحمة الله وبركاته، ثم يتأخر خطوة أخرى، ويقول: السلام عليك يا عمر ورحمة الله وبركاته. وهكذا تتجدد الذكريات المجيدة في صدر الزائر لمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.