الجامع الأزهر
الجامع الأزهر هو أشهر الجامعات وأوسعها ذكرًا، وأكثرها طلابًا وعلماء، حتى جاز لبعض الناس أن يسميه " شيخ الجامعات الإسلامِيّة ". والتاريخ يحدثنا بأن الذي شيّد الأزهر الشريف هو " جوهر الصقلي " قائد جيش الخليفة " المعز لدين الله الفاطمي "، وقد أتمَّ بناءه سنة إحدى وستين وثلاثمائة هجرية.
وقد أريد للأزهر في أول أمره أن يكون مقَرًّا للدعوة الفاطمية القائمة على المذهب الشيعي الإسماعيلي، وقد سمى "الأزهر " بذلك الاسم ـ في الظاهر ـ نسبة إلى " الزهراء " وهو لقب السيدة فاطمة ـ رضيَ الله عنها ـ، وهي التي، ينتسب إليها الفاطميُّون ولكن الله سبحانه أراد أن يجعل الأزهر بعد ذلك معقلاً للدراسات الإسلاميّة والغربية كلها، ليكون منارًا يهتدي به أبناء العالم الإسلامي في المشارق والمغارب.
ويذكر التاريخ أن الوزير " يعقوب بن كلس " الذي وقف على الأزهر أوقافًا ضخمة، أشار في سنة 378هـ على الخليفة الفاطمي " العزيز بالله " أن يحول الأزهر من مسجد شيعي إلي جامعة إسلامية لتدريس العلوم الدينية والعقلية واللسانية. وقد كان هذا الرأي إيذانًا بأن يتسلم الأزهر زمام التوجيه الديني والتثقيف الإسلامي والتربية الأخلاقيّة لكل راغب في العلم من أبناء الإسلام هنا وهناك.
وكان صلاح الدين الأيوبي أول من فسح الطريق أمام الأزهر ليسير نحو هدفه الإسلامي الكبير، وبعد أن كان التدريس الفقهي في الأزهر مقصورًا على المذهب الشيعي، فتح صلاح الدين الطريق أمام المذاهب الفقهية الأخرى فبدأت الثقافة الإسلامية تتجلَّى من داخل الأزهر بفروعها المتعددة وشعابها المتكاثرة.
ويظهر أن سقوط بغداد سنة 656 هـ على أيدي التتار كان سببًا قويًا في هجرة كثير من العلماء إلى مصر، وإلى الجامع الأزهر، والتأثر به والتأثير فيه، من أمثال ابن حجر العسقلاني، والمقريزي والعيني والبلقيني، وهم من رجال القرن التاسع الهجري، ومن أمثال السخاوي والسيوطي من رجال القرن العاشر.
وصار الأزهر ـ بعد غارات التتار المدمرة على العالم الإسلامي – هو الجامع الوحيد الذي يرتفع فيه صوت العلم والدين، لأكثر من سبب، فالتتار قد خربوا غيره من المساجد والمعاهد والمدارس، والحضارة العربية، قد انطوت صفحاتها المزهرة في الأندلس، والأزهر يُشبه مركز الدائرة في مصر التي تتوسط العالمين العربي والإسلامي، وهي لا تبعد كثيرًا عن بلاد الحجاز مهبط الوحي، ولها أهميتها الاقتصادية وصبغتها العربية وزعامتها الدينية، وهي مفتاح
قارة أفريقيا، وفيها بذور من الثقافة العقلية المصرية القديمة.
وظل الأزهر قوي الأثر عظيم الثمر في الحياة العقلية والاجتماعية حتى الفتح العثماني لمصر سنة 922 هـ، فكان هذا الفتح سببًا لضعف الحياة العلميّة في مصر بصفة عامّة، وفي الأزْهر بصفة خاصة، ولكنّه ظل يصارع ويقاوم برغم الأحداث التي مرت عليه، وأقبل رجال أعلام حاولوا أن يبعثوا التجديد والحياة في كِيان الأزهر الشريف، فكانت هناك صيحات الشيخ حسن
العطار المنادية بالإصلاح للأزهر والتعليم فيه، ثم كانت هناك صيحات جمال الدين الأفغاني، وصيحات الشيخ محمد عبده، وصيحات الشيخ المراغي.
ولعل أوسع تجديد أو تطوير للأزهر هو إعطاؤه الصفة الجامعية العصريّة، بإصدار قانون تطوير الأزهر سنة 1961م الذي نص في أوله على أن الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى، التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي، ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية، والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، وإظهار أثر العرب في
تطور الإنسانية وتقدمها، وتعمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون، وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية ...
وبناء على هذا القانون تطور الأزهر تطورًا واضحًا، فظهرت جامعة الأزهر بثوبها الجديد، وأنشئت فيها كليات جديدة للطب والهندسة والزراعة والإدارة والمعاملات، وأنشئت كليّة للبنات، ومعهد للفتيات، وأدخلت تطويرات واسعة على مناهج الدّراسة في الكليات القديمة، وستظهر آثار هذا التطوير بوضوح إذا توالت الأفواج التي تتخرج في جامعة الأزهر بعد أن دخلت هذا الطّور الجديد من الحياة الجامعيّة المعاصرة.