موقف السلاجقة من الإسلام:
كان الفرق واضحًا بين معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين ومعاملة السلاجقة لهم !
فعلى العكس من معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين أظهر السلاجقة الاحترام الكامل، والأدب الجم، والمعاملة الحسنة الطيبة للخلفاء العباسيين، وكانوا صورة للإنسان الفطرى الذى هذبه الإسلام، وليس أدل على ذلك من قول "طُغْرُلْبِك" حين دخل على الخليفة "القائم" سنة 449هـ/ 1057م: "أنا خادم أمير المؤمنين، ومتصرف على أمره ونهيه، ومتشرف بما أهّلنى له، واستخدمنى فيه، ومن الله أستمد المعونة والتوفيق". وهنا ألبسه الخليفة "الخلع" فما كان من "طغرلبك" إلا أن قَبَّل يد الخليفة أكثر من مرة. وراح الخليفة يوصيه بتقوى الله والعدل فى الرعية، وزادت أواصر القربى بينهم، فقد تزوج الخليفة "خديجة" ابنة أخى السلطان "طغرلبك" بينما تزوج طغرلبك من ابنة الخليفة القائم سنة 454هـ/ 1062م.
وإذا كانت السلطة الفعلية قد أصبحت فى يد السلاجقة فإن الاحترام صاحبَ هذه السلطة. وقد حاول الخلفاء استعادة سلطتهم الفعلية إلى جانب زعامتهم الروحية، فتمكنوا من ذلك أحيانًا، وساعد على ذلك اختلاف السلاجقة على أنفسهم بعد وفاة ملكشاه سنة 485هـ/ 1092م، وتعد أقوى هذه المحاولات محاولة الخليفة الناصر لدين الله، كما أن خلافته تعد أطول مدة فى تاريخ الخلفاء العباسيين.
السلاجقة والباطنية:
من يُقلب صفحات التاريخ فى الدولة العباسية يجد أن هناك فروقًا كثيرة ودعوات باطلة فاسدة، وأفكارًا غريبة وعقائد ضالة، كانت وراء الفتن والاضطراب والحروب فى المجتمع الإسلامى آنذاك.
وقد كانت "الباطنية" مصدر خطر كبير على الإسلام والمسلمين منذ أن وجدت، فكانت بعقائدها الباطلة وفتنها الماكرة لونًا جديدًا من الأفكار الضالة للنيل من الإسلام والمسلمين، وذلك بالتستر وراء حب "آل البيت"، والعمل على إفساد عقيدة الإسلام وأركانه وشريعته.
ومن يقرأ تاريخ الباطنية يتبين له أنها تضرب بجذورها إلى "عبد الله بن سبأ"، وأنها تشمل خليطًا من أصول دعوات فاسدة تحتويها، منها: القرامطة، والدروز، وإخوان الصفا، والإسماعيلية، وغيرها من مذاهب باطلة ظهرت فى تاريخنا الإسلامى.
وفى عهد ملكشاه وفى سنة 483هـ/ 1090م راح "الحسن بن الصباح" يدعو الناس إلى التشيّع والزندقة، واستولى على قلعة "الموت" فى نواحى قزوين، وزاد خطره، وكثر أتباعه، فأرسل إليه نظام الملك مَنْ يحاصر قلعته، ولكنه بعث من قام باغتيال نظام الملك، وفك الحصار عن القلعة.
وتمر السنون بعد وفاة ملكشاه، وتقع معارك مع الباطنية يقوم بها أبناؤه وأحفاده من بعده، ينجحون فيها بفضل الله فى تقليم أظافرهم الشرسة، ولو تتبعنا اللقاءات الحربية بين الباطنية والزنادقة وبين المسلمين لطال ذلك وامتد، ولكن الملاحظ أن "الباطنية" لم يكتفوا بقتل القواد والعلماء والقضاة فى بلاد فارس وما وراء النهر، بل كانت منهم باطنية ببلاد الشام لعبوا الدور نفسه مع حكام المسلمين، وقادتهم وفقهائهم وعلمائهم، فقتلوا منهم عددًا كبيرًا.
ويشهد الله، كم كانت الباطنية خِنْجرًا مسمومًا فى ظهر قادة الإسلام، وزعماء المسلمين، وفقهائهم، وحسبهم تلك الأفكار المنحرفة التى تدعو إلى: نفى صفات الله، وإبطال النبوة والعبادات، وإنكار البعث، وإبطال نسبة القرآن إلى الله، وتأويل أصول الدين تأويلاً قاطعًا يخرج بالواحد منهم إلى الكفر، وغير ذلك من الأفكار الضالة المضلة.