تنظيم النسل
السؤال: ما رأي الدِّين في تحديد النَّسل عن طريق إجراء عملية، من ناحية الزوج أو الزوجة؟ مع رجاء توضيح الحالات التي يجوز فيها تنظيم النَّسْل.
الجواب:
قد تنشأ أسبابٌ أو ضرورات تَدْفَعُ الإنسانَ إلى تنظيم أسرته أو تنظيم نَسْلِهِ، بأنْ يَجْعَلَ هناكَ فَتَرَاتٍ مُتَباعدةً بين مَرات الحَمْل، وينشأ عن ذلك أن يكون عدد الذُّرية قَلِيلًا، نُزولًا على مُقْتضيات تلك العوامل والأسباب. وقد نَصَّ الفُقهاء عَلَى طَائِفَةٍ من الأسباب التي تَدفَعُ الناس إلى ذلك، ومنها أن يكون عند المرأة استعداد قوي ظاهر لتوالي مَرات الحَمْل، مما يُضْعِفُهَا
أو يُسَبِّب لهَا الْمَرض. ومن الأسباب أيضًا أن يكون هناك مرضٌ مُعْدٍ عند الزوجين أو أحدهما، ولو نشأت ذُريةٌ عنهما والمَرضُ موجود لانتقل هذا المَرض الخبيثُ إلى الذُّرية فَتَشْقَى.
ومن الأسباب أن يكون عند الزوجة مرض، ولو حَمَلَت والمَرَضُ موجودٌ لزَادَ مَرَضُهَا، أو تأخر شفاؤها أو صعبت ولادتها. ومن الأسباب أيضًا الضعف الاقتصادي، بحيث لا يكون عند الزوج اقتدار مالي على النهوض بتبعات الذُّرية إذا كثرت، وهذا هو ما كان يُعَبِّر عنه الفقهاء قديمًا بقولهم: "الخوف من الوقوع في الضيق بسبب كثرة الأولاد".
والمفهوم من تعاليم الشريعة الغَراء أنه إذا كان هناك داعٍ يَسْتَوْجِب هذَا التنظيم في النَّسل، فلا مانع شرعًا من اتِّباع طريقة سليمة لتحقيق ذلك. وهذا يُقاس على ما كان معروفًا في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من طريقة "العَزْل". والعَزْلُ هو مَنْع الْتقاء المادة التناسلية من الزوج بالمادة التناسلية من الزوجة، وذلك بأن يَعْمَد الزوْج عند أداء العملية الجنسية مع زوجته إلى قذف هذه المادة خارج رَحِمِ الزوْجة عند الإحساس بنزولها. ولقد جاء في كُتب الحديث الصحيحة أنَّ جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: "كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يَنْهنا، ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن".
وقد ذكر إباحة "العَزْل" الإمام الغزالي والإمام ابن القيم وغيرهما. ولكن لا يجوز إجراء عملية يترتب عليها تعطيل الأجهزة التناسلية بصفة دائمة عند الزوج أو الزوجة؛ لأن هذا اعتداء على خِلْقَةِ الله تعالى دون مُوجب، وطُرُق التنظيم الأخرى موجودة وكثيرة؛ ولأن هذه العملية قد تُؤَدِّي إلى أضرار أخرى، فقد يكون للزوجين ولد أو ولدان أو عدد ما من الأولاد، ثم يُجريان عملية التعقيم مثلًا، وبعد ذلك يموت هؤلاء الأولاد موتًا طبيعيًّا أو في حادث من الحوادث، ولا يستطيع الزوجان بعد ذلك أن يَحْصُلا على أولاد لتعَطُّل الأجهزة التناسلية عندهما.
ولذلك ينبغي اللجوءُ إلى طُرُق تنظيم النَّسل المُؤَقتة المَشْروعة، بِقَدْرِ ما تدعو إليه الضرورة.