الكعبة المطهرة
الكعبة المطهّرة هي قبلة المسلمين جميعًا في الصلاة، وهي بناء متوسط الحجم يقع في وسط مكة، وقد سميت بالكعبة لتكعيبها، أي تربيعها، لأن كل بناء مربع مرتفع يقال له كعبة، وكذلك تسمى الكعبة " البيت العتيق " لأن الله تبارك وتعالى أعتقه من التقيد بملكية أحد، وجعله خالصًا لعباده، وتسمى أيضًا " البيت الحرام "، لأن الله تبارك وتعالى يقول: ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ وحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ( البقرة 150 )، وإنما سميت الكعبة " بالبيت الحرام " لأنّها يحرم الاعتداء عليها، كما يحرم الاعتداء عندها، ولذلك يقول الحق جل جلاله
وإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَةً للنّاسِ وأَمْنًا ) ( البقرة 125 ).
وهذه الكعبة المشرفة قد بناها إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، والقرآن الكريم يشير إلى هذا حين يقول
وإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإِسْماعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العَليمُ ) ( البقرة 127 ) .
وقد خص القرآن المجد الكعبة بالتشريف والتنويه، فقال في محكم آياته
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وهُدًى للعالَمِينَ، فِيهِ آَياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ومَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وللهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِيِنَ ) ( آل عمران 97 ).
ومعنى أنه أول بيت أي أنه أول بيت عينه الله عز وجل ووضعه للعبادة، حيث يعبد الناس عنده ربهم وخالقهم، ومعنى كونه مباركًا أنه كثير الخير، لأنه سبب هذا الخير الكثير، فإن من جاءه تائِبًا إلى ربه، مستغفرًا له من ذنوبه هداه الله إلى الصراط المستقيم، ومحا عنه سيئاته، فيصير ذلك خيرًا كبيرًا وبركة جليلة. ومعنى أمن داخله أن من جاء إليه مخلصًا كان آمنًا من عذاب الله، كما أن الله تعالى جعل الكعبة حرمًا آمنًا، لا يجوز عنده اعتداء أحدٍ على أحد، حتى ولو كان ثأرًا أو انتقامًا، لأن المسلمين عند الكعبة ينبغي لهم أن ينسَوا ضغائِنَهم وأحقادَهم، وأن يتلاقَوا على دعوة السلام وروح السلام.
وكذلك قال القرآن الكريم عن الكعبة
جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيامًا للنّاسِ) (المائدة 97). أي قوامًا لهم في أمر دينهم ودنياهم، لأن الكعبة قبلتهم في صلاتهم كل يوم، وفي هذا إصلاح لهم من ناحية الدين والعبادة، كما أن الكعبة تجمع كل القادرين من المسلمين حولها في موسم الحج، فيتعارفون ويتآلفون ويتشاورون فيما يفيدهم وينفعهم. وقيل إن معنى أن الكعبة قيام للناس هو أنها يقوم بها أمر دين المسلمين، بأداء الحج والعمرة، ويقوم بها أمر دنياهم عن طريق انتشار الأمن الواجب عند الكعبة، وعن طريق جلب الثمرات من كل ناحية إلى ما حول الكعبة المطهرة.
والإسلام قد علّم المسلمين أن يُراعُوا حرمة الكعبة وما حولها، فلا يجوز للمسلم بالهدى أن يعتدي على إنسان أو حيوان أو طائر أو نبات، والحديث النبوي يقول: "إِنّ اللهَ سُبْحانَه حَرَّمَ مَكَّةَ، ولَمْ يحرمها الناس، ولا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد ( أي يقطع ) بها شجرًا ".
وكذلك يقول الحديث الشريف الآخر:" لا يحلُّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السِّلاحَ " وقد علق العلماء على هذا الحديث بأنه يحرم على الإنسان أن يحمل في مكة السلاح للاعتداء، ولكن إذا حمله للتحفظ فلا بأس به.
ولا عجب في أن يحيط الله الكعبة ومكة بهذا التوقير والصيانة، لأنه سبحانه يريد أن يجعل هذا البناء المطهر وهذا البلد الحرام، ساحة تتمثل فيها روح السلام بأجلى معانيها وأوضح مبانيها، ولذلك دعا إبراهيم ربه بأن يسبغَ رداء الأمان والسلام على مكة، فقال القرآن
وإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آَمِنًا واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ ) ( إبراهيم 35 ).
ولعل هذا - والله أعلم بالحقيقة - بعض السبب في أن يجعل الله الكعبة أو بيت يعبد عنده، فقد سأل أبو ذرٍّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أول مسجد وضع في الأرض. فقال: المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى، ثم ذكر أن بينهما أربعين عامًا.
وكذلك يوجد عند الكعبة مقام إبراهيم وهو المكان الذي وقف فيه خليل الرحمن حين بنائه الكعبة مع ابنه، ويروى أنه كان يقف على حجر حينذاك.
ولمكانة الكعبة دعا الدين المسلم حين زيارتها أن يكثر من تسبيح الله وتكبيره وحمده والثناء عليه، ووعد النبي صلى الله عليه وسلم من يخلص أداء الزيارة لله عند هذه الأماكن أن يكتب له الثواب والنعيم، فقال صلوات الله وسلامه عليه:" إن هذا البيت دعامة الإسلام، ومن خرج يؤم هذا البيت، من حاج أو معتمر، كان مضمونًا على الله عز وجل إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة ".