الخشونة في العيش
السؤال: يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :"اخْشَوْشِنُوا فَإنَّ النِّعَمَ لا تَدوم". فهل إذا استعنت على تسهيل الحياة بالأدوات العصرية كالثلاجة والتكييف والتلفزيون والسيارة، أُعْتَبر مُخالِفًا لنصيحة هذا الحديث؟
الجواب:
روى ابن الأثير في كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر" أن هذه العبارة جاءت في حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ والمُراد بقوله "اخْشَوْشِنُوا" فيما نفهم ـ والله أعلم ـ هو عدم المَيْلِ إلى التَّرَفِ الذي يعوِّد صاحبه الضعف والانغماس في المَلذات والشهوات، فيُعَرِّضه بذلك للهوان أو الهلاك، كما يُعَرِّضه لِغَضب الله وَنِقْمَتِهِ، والقرآن "الكريم" يقول: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16).
وليس معنى هذا أن يَحْرِمَ الإنسان نفسه من طيِّبات الحياة، سواء أكانت في الطعام أم الشراب أم الثياب؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ . وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعَبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:31 ـ 33).
وكأنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ يُريد أن يتعوَّد الإنسان النهوض بالتبِعات والواجبات وأن يُدرِّبَ نفسه من حِين إلى حِين على تَرْكِ بعض المُشْتهيات، حتى لا يصير عبدًا لرغباته، أسيرًا لملذاته، وبذلك يضعف ويهون، والحياة لا تدوم على حالة واحدة، فقد يجد الإنسان اليوم أسباب التنعُّم، ثم يفقدها غدًا، فإذا لم يدرِّب نفسه على حُسن الصبر والاحتمال، فإنه لا يستطيع المُضي في طريق الحياة بقوة واستقامة.
والأشياء التي جاءت في السؤال لا تُعَدُّ من المُحَرِّمَاتِ على الإنسان، فالثلاجة يحتاج إليها اليوم أكثر الناس في المُدن والأماكن النائية؛ لأنها تحفظ ما يحتاج إلى الحِفظ لمدة طويلة من الطعام ونحوه.
وآلة التكييف قد تصبح ضرورية إذا كان استعمالها في جو حارٍ مُرهق، والتلفزيون وسيلة ثقافة وتربية إذا حافظت مناهجه على الابتعاد عمَّا يُفسِد أو يَسوء، والسيارة وسيلة من الوسائل المهمة لقضاء الواجبات وتقريب المسافات.
وعلى هذا نعتقد أن استعمال هذه الأشياء لا يُعَدُّ حرامًا، ولا يُعَدُّ مُخالفة لقول عمر، اللهمَّ إلا إذا أَسْرَفَ صاحبها في استعمالها دون ضرورة أو مُوجِب.