هُودٌ وقوْمه
السؤال: لمَن أُرسل الله نبيه هُودًا؟ وما دعوته؟ وأين عاش قومه؟ وما خلاصة قصته معهم؟ وأين دُفن هود؟
الجواب:
أرسل الله ـ تعالى ـ نبيه هُودًا ـ عليه السلام ـ إلى قومه؛ وهم "عادٌ الأولى"، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله ـ جل جلاله ـ وهم أولاده عاد ابن إرَمَ الذين قال عنهم القرآن الكريم في سورة الفجر: (ألمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ. الَّتِي لمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلاَدِ)0 (الآيات: 6 ـ
.
وكان قوم هود يسكنون باليمن بالأحقاف، وهي جبال الرمل.
ويقول صاحب كتاب "قصص الأنبياء": كانت مساكن عاد في أرض الأحقاف، وهي تقع في شمال حضرموت، وفي شمالها الربع الخالي، وفي شرقها عمان، وموضع بلادهم اليوم رمال ليس بها أنيس، بعد ذلك العُمران والنعيم المقيم، ولم يتعرَّض أحدٌ من الأوربيين الباحثين والمُنقِّبين إلى الكشف عن بلادهم، والتنقيب في أرضهم، ولعل تحت الرمال من الثروة العلمية
ما لو كُشف لكان عظيم القيمة في عالم الآثار، وأبان عن مدينة عظيمة مَطمورة تحت تلك الكثبان.
وقد قام جماعة إلى إحدى المدن البائدة في شمال حضرموت ونقَّب فيها، وعثر على بعض الآنية من المَرْمر عليها كتابة بالخط المسماري.
وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة: سمعت علي بن أبي طالب يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر تُخالطه مدرة حمراء، ( والمدرة طين لا رمل فيه ) ذا أراكٍ وسِدْرٍ (وهما نَبْتانِ) كثير، بناحية كذا وكذا، من أرض، حضرموت هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، والله إنك لَتَنْعَتَهُ نَعْتَ رجلٍ قد رآه.
قال: لا ولكنه قد حُدِّثتُ عنه فقال الحضرميُّ: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبْر هود عليه السلام.
قال ابن جرير: وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن، وأن هودًا ـ عليه السلام ـ دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسَبًا؛ لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم، وكانوا من أشدِّ الأمم تكذيبًا للحق، ولهذا دعاهم هود ـ عليه السلام ـ إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه.
ورَوى ابن إسحاق أن قوم هود كانوا يعبدون صنمًا يقول له: "صداء"، ويعبدون صنمًا يقال له: "صمود" . ويعبدون صنمًا يقال له: "الهباء".
وكانوا ـ كما يذكر ابن إسحاق ـ يسكنون باليمن من عمان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد فَشَوْا في الأرض، وقَهَرُوا أهلها، بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله، فبعث الله إليهم هودًا ـ عليه السلام ـ وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يُوحِّدوا الله، ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يَكفوا عن ظلم الناس، فأبَوْا عليه وكذبوه، وقالوا: مَن أشدُّ مِنَّا قوة؟ واتبعه منهم ناس، وهم يسيرٌ يكتمون إيمانهم. فلمَّا عَتَتْ عادٌ على الله، وكذبوا نبيَّه، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبَّروا، وبنوا بكل رِيعٍ آيةً عبثًا بغير نفع، كلمهم هود فقال: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ. آيَةً تَعْبَثُونَ. وتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وإذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ). (الشعراء: 128 ـ 131). (والرِيعُ: المكان المرتفع).
قالوا له: (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ومَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وما نَحْنُ لكَ بِمُؤْمِنِينَ. إنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ). (هود: 53 ـ 54).
قال: (أُشْهِدُ اللهَ واشْهَدُوا أنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونَ. إنِّي تَوَكَّلْتُ علَى اللهِ رَبِّي ورَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنَّ رَبِّي علَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)0 (هود: 54 ـ 55).
ولقد أوجز القرآن الكريم قصة هود مع قومه بقوله في سورة الأعراف: (وإلَى عادٍ أخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قالَ المَلأُ الذينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ. قال يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٍ ولَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وأنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ. أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ علَى رجلٍ منكمْ لِيُنذرَكمْ واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلفاءَ مِن بعدِ قومِ نُوحٍ وزادكمْ في الخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ لعلَّكمْ تُفلحونَ. قالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وحْدَهُ ونَذَرَ مَا كانَ يعبُدُ آباؤُنَا فَأْتِنَا بمَا تَعِدُنَا إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ قدْ وَقَعَ عليكمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وغضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أنتمْ وآباؤُكمْ مَا أنزلَ اللهُ بها مِن سُلطانٍ فَانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنتظِرِينَ. فَأَنْجَيْنَاهُ والذينَ معهُ بِرَحْمَةٍ منَّا وقَطَعْنَا دَابِرَ الذينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ومَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ)0 (الآيات: 65 ـ 72).
وقد تحدث القرآن المجيد عن قصة هود وقومه عاد في سُور: هود، والمؤمنون، والشعراء، وفُصِّلتْ، والأحقاف، والذاريات، والقمر، والحاقَّة.
والله ـ تبارك وتعالى ـ أعلم.