المرأة باعتبارها زوجة
كانت بعض الديانات والمذاهب تعتبر المرأة رجساً من عمل الشيطان , يجب الفرار منه واللجوء إلى حياة التبتل والرهبنة .
وبعضها الآخر كان يعتبر الزوجة مجرد آلة متاع للرجل , أو طاه لطعامه , أو خادم لمنزله .
فجاء الإسلام يعلن بطلان الرهبانية وينهى عن التبتل , ويحث على الزواج , ويعتبر الزوجية آية من آيات الله في الكون :
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة , إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .
وحين أراد جماعة من الصحابة أن يتبتلوا وينقطعوا للعبادة , صائمين النهار , قائمين الليل , معتزلين النساء , أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قائلاً
: « أما أنا فأصوم وأفطر , وأقوم وأنام , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني » .
وجعل الإسلام الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه - بعد الإيمان بالله وتقواه - وعدها أحد أسباب السعادة , وفي الحديث :
« ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً من زوجة صالحة , إن أمرها أطاعته , وان نظر إليها سرته , وان أقسم عليها أبرته , وان غاب عنها حفظته في نفسها وماله »
.
وقال عليه الصلاة والسلام : « الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة » .
وقال : « من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة , والمسكن الصالح , والمركب الصالح » .
ورفع الإسلام من قيمة المرأة باعتبارها زوجة, وجعل قيامها بحقوق الزوجية جهاداً في سبيل الله.
جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسولاا لله : , إني رسول النساء إليك , وما منهن امرأة - علمت أو لم تعلم - إلا وهي تهوى مخرجي إليك . ثم عرضت قضيتها فقالت : الله رب الرجال والنساء وإلههن , وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء , كتب الله الجهاد على الرجال , فإن أصابوا أجروا وان استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون , فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة ؟ قال : « طاعة أزواجهن والقيام بحقوقهم , وقليل منكن من يفعله » .
وقرر الإسلام للزوجة حقوقاً على زوجها , ولم يجعلها مجرد حبر على ورق , بل جعل عليها أكثر من حافظ ورقيب : من إيمان المسلم وتقواه أولاً
, ومن ضمير المجتمع ويقظته ثانياً ,
ومن حكم الشرع وإلزامه ثالثاً .
وأول هذه الحقوق هو « الصداق » الذي أوجبه الإسلام للمرأة على الرجل إشعارا منه برغبته فيها وإرادته لها .
قال تعالى : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة , فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) .
فأين هذا من المرأة التي نجدها في مدنيات أخرى : تدفع هي للرجل بعض مالها ! مع أن فطرة الله جعلت المرأة مطلوبة لا طالبة ؟
وثاني هذه الحقوق , هو « النفقة » .
فالرجل مكلف بتوفير المأكل والملبس والمسكن والعلاج لامرأته .
قال عليه الصلاة والسلام في بيان حقوق النساء : « ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف » ,
والمعروف هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل من الناس بلا إسراف ولا تقتر
, قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته , ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله , لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) .
وثالث الحقوق , هو « المعاشرة بالمعروف » .
قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) .
وهو حق جامع يتضمن إحسان العاملة في كل علاقة بين المرء وزوجه , من حسن الخلق , ولين الجانب , وطيب الكلام , وبشاشة الوجه , وتطييب نفسها بالممازحة والترفيه عنها
, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله » .
وروى ابن حبان عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال : « خيركم خيركم لأهله , وأنا خيركم لأهلي » وقد أثبتت السيرة النبوية العملية لطفه - عليه الصلاة والسلام - بأهله , وحسن خلقه مع أزواجه , حتى إنه كان يساعدهن في أعمال البيت أحياناً ,
وبلغ من ملاطفته لهن أنه سابق عائشة مرتين , فسبقته مرة وسبقها أخرى , فقال لها : « هذه بتلك » .
وفى مقابل هذه الحقوق أوجب عليها طاعة الزوج - في غير معصية طبعا - والمحافظة على ماله , فلا تنفق منه إلا بإذنه , وعلى بيته , فلا تدخل فيه أحداً إلا برضاه ولو كان من أهلها .
وهذه الواجبات ليست كثيرة ولا ظالمة في مقابل ما على الرجل من حقوق , فمن المقرر أن كل حق يقابله واجب , ومن عدل الإسلام أنه لم يجعل الواجبات على المرأة وحدها , ولا على الرجل وحده , بل قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) فللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات .
ومن جميل ما يروى أن ابن عباس وقف أمام المرآة يصلح من هيئته , ويعدل من زينته , فلما سئل في ذلك قال : أتزين لامرأتي كما تتزين لي امرأتي . ثم تلا الآية الكريمة : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ). وهذا من أظهر الأدلة على عميق فقه الصحابة رضي الله عنهم للقرآن الكريم .