س: هل هذا حديث صحيح " النِّسَاء نَاقِصَاتٍ عَقْلٍ وَدِين " ؟
ج: روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدْري قال : خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيد أضحى أو فِطْر إلى المُصَلَّى، فمرَّ على النساء فقال " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فإنِّي أُرِيتُكُن أكثرَ أهْلِ النَّار " فقلن : وبمَ يا رسول الله ؟ قال " تُكْثِرْنَ اللَّعْن وتَكْفُرْنَ العشير، ما رأيت من ناقصاتٍ عقلٍ ودينٍ أذْهبَ للُبِّ الرجل الحازم مِن إحداكن " قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال " أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟ قلن: بلى يا رسول الله، قال " فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُمْ " ؟ قلن: بلى يا رسول الله، قال " فذلك نقصان دينها " .
فالحديث ثابت بأقوى طريق عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو يُقَرِّرُ خطورة المرأة في حياة الرجل التي نصَّ عليها في الحديث المتفق عليه أيضًا بقوله " ما تَرَكْتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء " وهو حكم من واقع الطبيعة ليس فيه شيء من التَّجَنِّي عليها، والدين لا يُغَيِّر من الطبيعة شيئًا إلا بقدر ما يُوَجِّه إلى حُسْنِ استخدامها .
والله سبحانه في قرآنه شرع للنساء ما يتفق مع طبيعتهن، فحين جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وضَّح السبب في ذلك في الآية نفسها، فقال في آية الدَّيْن، وهى أطول آية في القرآن الكريم ( واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونًا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِن الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ( البقرة : 282 ) .
ذلك أن المرأة بتركيبها الطبيعي وما يصادفها من حالات هي عُرْضَةٌ للنسيان أحيانًا، والشهادة لها خطورتها؛ لأنها تُثْبِتُ الحقوق لأصحابها فتُقَرِّرُ العدل وتمنع الظلم، ومن هنا كانت شهادة المرأة مُحْتَاجَة إلى عَوْنٍ يساعد على تَذَكُّرِهَا لما عساها تكون قد نَسِيَتُه، وكل ذلك أمر غالب، فالحكم على المجموع لا على الجميع .
ونقصان الدين ليس احتقارًا، ولا رَمْيًا بالعيب، فليس المراد به أن دينها ضعيف أو أن إيمانها ناقص تُعَاقَب عليه، بل المراد أن التكاليف الشرعية التي يُكْمِلُ المؤمن بها إيمانه رصيدُ الرجل منها كبير؛ لأن طبيعته ليس فيها من الأعذار لترْك شيء من هذه التكاليف بقدر ما عند المرأة من أعذار تَقضي بها طبيعتها، فإن عُذْرَ الحَيْضِ يَعْرِض لها كل شهر بما يُعَطِّلُها عن الصلاة التي تجب لها الطهارة مدة أسبوع تقريبًا، فربع حياتها أو قد يزيد خالٍ من الصلاة حتى تيأس من الحَيْضِ، إلى جانب عُذْرِ الولادة الذي يأتي على فترات وإن كانت بعيدة أحيانًا إلا أنها تمتنع عن الصلاة في كل عام أو عامين شهرًا أو شهرين فهي في مدة حَيْضِها ونِفَاسِها لا تصلِّي ولا تصوم وإن وجب عليها قضاء الصيام، فهي على كل حال أقلُّ رَصِيدًا في هذه القُرُبات من الرجل .
وهذا بالنسبة إلى الغالبية العُظْمَى من النساء والمجال مفتوحٌ أمامهن لتكميل ما يفوت من قُرُبات بسبب هذه الأعذار، وذلك بحُسْنِ رعاية الزوج والولد، والنوافل من العبادات، والأعمال الخيرية التي لا تحتاج إلى طهارة، كالصدقة وعمل البِرِّ في ميادينه الواسعة، وذلك كما ذكره الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأسماء بنت يزيد بن السَّكَن حين سألته عما يفوت النساء من أعمال الخير التي ينفرد بها الرجل كالجهاد والجمعة والجماعات، فبيَّن لها أن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها يَعْدِلُ ما يقوم به الرجال من هذه الأعمال.
فالخلاصة أن الحديث يلتقي مع القرآن في التشريع، والله هو الذي فعل ذلك وقرَّره؛ لأن الشرع يراعي التناسب والاستعداد، ولله في ذلك حِكْمَة، فهو ـ سبحانه ـ مُنَزَّه عن العَبَثِ والظلم وهو بكل شيء عليم . والمجال مفتوحٌ أمام المرأة لتُسَابِق الرجل في القُرُبَات الأخرى . لكن هل كلُّهن يَسْتَطِعْنَ ذلك، أو أن طبيعتهن التي لا يمكنهن التمرُّد عليها ستَقعد بهن عن هذه المسابقة، أو على الأقل لا تجعلهن يُكملن الشوط ؟ ( يراجع الجزء الثاني من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام ).